رغم السنين الطويلة التي مرت، لا تزال لديّ ذكريات حية جدا لطفولتي في فيينا. حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، قبل تسع سنوات فقط من مولدي، كانت فيينا عاصمة إمبراطورية كبيرة جدا حيث عاش أبناء قوميات ينطقون بلغات عديدة. وكان اليهود ضمن كل تلك القوميات نحو 10 في المائة من سكان فيينا. ولم تكن أقلية مثلها ذات تنظيم مجتمعي: مؤسسات دينية، كُنس مفتخرة و”شتبلاخ” (غرف للصلاة)، اتحادات رياضية، تعليم التوراة، ثانوية عبرية معتبرة وشهيرة جدا تعلمت فيها. وبشكل عام كانت حياة يهودية تعج بالحركة، بنقاشات سياسية، مسارح جدية وخفيفة، مطاعم ومقاهي.
ومع مجيء النازيين كنت في الحادية عشرة بالضبط. قبل أسبوع من وصول النازيين، كان لأخي احتفال البلوغ “بار- متسفا”. كنا عائلة أصولية، فأبي كان محافظا على أداء الفرائض، وكنا نحتفل بكل الأعياد بمآكلها الخاصة وكانت أمي ترتدي الأزياء الفاخرة وأبي يرتدي البدلة حليق الذقن على نحو مختلف عن أجدادي الذين كانوا يبدون كاليهود الأصوليين في أواخر القرن العشرين. كنا نذهب كل يوم بعد المدرسة الى “غرفة” تعليم التوراة مع الحاخام، وكان لنا أصدقاء يهود، ولكن ليس مثل كل الأطفال اليهود الآخرين، فقد كنا ضمن عصبة في الشارع حيث كنا نلعب مع أطفال غير يهود كرة القدم وكنا نقوم بأفعال لعل الأطفال اليهود “الأخيار” ما كانوا ليفعلونها؛ فقد كنا نسترق الى مدرج كرة القدم دون أن نشتري بطاقة دخول إذ لم نكن نملك المال لشرائها أو نهرب من أفراد الشرطة ما أن يطلوا علينا ونحن نلعب كرة القدم في الشارع. وأحد من تلك العصبة بقي صديقي حتى اليوم. بعد عشرات السنين، عندما عدت الى فيينا في شؤون عمل، فتشت عن اسمه في سجل الهاتف ووجدته. وبعد بضع سنوات حين جئت مع حفيدي في زيارة بحث عن الجذور، عاملنا بتفانٍ جم وأخذنا في سيارته لزيارة الأماكن المختلفة.
نحن، العائلة، كنا مختلطين بين يهود وغير يهود أيضا، ولكن هذا لم ينفعنا كثيرا. فبعد بضعة أيام من اجتياح النازيين للنمسا عدت مع أبي من عملنا الى شارعنا حيث كان يعيش حاخامون كبار أيضا. وعلى مسافة بعيدة رأينا احتشادا وما أن اقتربنا حتى رأينا أولئك الحاخامين الكبار بلحاهم البيضاء، يجثمون على ركبهم على الأرض، مع أبنائهم وكذا أمي ينظفون الطريق بأظفارهم من شعارات الانتخابات التي كانت مرسومة عليه. وكان يقف جانبا رجال قوات الـ اس.اس الألمانية وهم يصرخون بهم “أسرع!”، “هذا ليس نظيفا بالكفاية!” مضيفين عبارات سُباب فظة. اقتربنا من أمي ودعوناها لأن تتملص وتدخل البيت. وقعت أمور خطيرة جدا عندما جاء النازيون. في فيينا منذ أن وعيتُ لنفسي شعرت بأجواء اللاسامية رغم أنه كان لنا أصدقاء طيبين غير يهود. وتعلم النمساويون كيف يفعلون لليهود في أيام كل الأفعال الوحشية التي استغرقت الألمان بضع سنين.
في ليلة الحريق- بعد أن أطلقت النار على رجل السفارة الألمانية في باريس (مفارقة تاريخية: فقد كان هذا أحد القلائل المناهضين للنازيين في سلكهم الدبلوماسي) نزع النازيون كل لجام: حطموا وأحرقوا الكنس والمتاجر اليهودية، وكل سماء فيينا كانت حمراء جراء الحرائق العديدة. وفي الغداة جاء جيران يهود الى شقتنا وقالوا لأبي إن النازيين يمرون من باب الى باب، من بيت الى بيت، لجمع اليهود وإرسالهم الى معسكر تجميع: “تعلوا معنا لنختبىء”. فأجابهم أبي: “ماذا، أنا الذي تطوعت للقتال من أجل الوطن، من أجل القيصر، أختبىء؟ أولست مواطنا متساوي الحقوق، وليس مواطنا من الدرجة الثانية. أنا لن أختبىء”. ولم يستغرق وقت طويل حتى جاءوا. أذكر كيف ساعدت أمي أبي بارتداء سترته الجديد وعندها تعانقا وتبادلا القبلات وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي رأينا فيها أبانا.
أتذكر عصبية أمي. ليومين ونحن نركض في عقاب شائعات دارت في الشوارع بحثا عن ملجأ، للخروج من فيينا – ولكن عبثا. وفي إثر الصدمة العالمية بعد ليل الحريق بادرت شخصيات بارزة في بريطانيا بمشروع “كيندر ترانسبورت”. وبعد شهر بالضبط من أخذهم أبي الى معسكر التجميع سيء الصيت “داتشو”، سافرنا أخي وأنا هكذا الى بريطانيا ونجونا. أبواي لم ينجوا. ولا علم لنا باليقين ماذا حصل لأبي حتى وفاته؛ أمي أرسلت الى جيتو تريزينشتات ومنه الى اوشفيتس. بعد أن غادرت فيينا في كانون الأول 1938، لم أرَ أبويّ مرة أخرى.
وصلنا الى بريطانيا في 12 كانون الأول 1938 الى هارفيتش. وإحدى الصور التي انطبعت في ذاكرتي: صفوف طويلة من مئات الأطفال وفي آخر كل صف يجلس إنجليزي في فمه غليون يسجل التفاصيل الشخصية. أخي البكر، أكبر مني بسنتين، سُئل عن اسمه وإذا كان “أرثوذكسي” أم “ليبرالي”. كلمة أرثوذكسي فهمتها أما كلمة ليبرالي فكانت لي علامة استفهام كبيرة. وأخي بذكائه قال ليبرالي، بخلاف تام عن نمط حياتنا كعائلة في فيينا؛ كنا نحن بالتأكيد متدينين، بل وأصوليين حديثين ولكن بفضل إجابته وصلنا في وقت لاحق الى قرية صغيرة من ثلاثة آلاف نسمة في شمالي انجلترا، حيث تشكلت لجنة بمبادرة امرأة من الكويكرز ومشاركة كل نبلاء القرية، مديري بنكين، قساوسة القرية وبالطبع مدير المدرسة الثانوية المحلية “غرامر سكول” التي تأسست في العام 1726، حيث تعلمنا في قسمها الداخلي. لقد عاملونا بنبل روح وبحرص على هويتنا اليهودية، أخي لعاملين وأنا على مدى ثلاثة أعوام.
بودي أن أشير الى النهاية التي كانت بعد الامتحانات، مثابة شهادة ثانوية صغيرة. كنتُ ابن 15 ومدير المدرسة دعاني لمكتبه وقال لي: “يا الفرد، اللجنة قررت أن تواصل دراسة الثانوية الكاملة وستبقى عامين آخرين”. فقلت: “شكرا جزيلا ولكني أشعر بواجب الانضمام الى المجهود الحربي وعلى أي حال…”، تلعثمت، “أنتم قدمتم لي ما يفوق كل حد”. فقاطعني قائلا: “لو كنتم مكاننا لكنتَ أنت وعائلتك قدمتم لنا قدرا لا يقل”. هذا الأمر بقي في نفسي ولا أسمح لها بان تنساه. وغير مرة أتساءل هل كان شعبي يتصرف هكذا دائما حقا، برحمة؟ أخيرا، أخيرا، من أنقذوني لم يكونوا أبناء عائلتي أو أبناء شعبي بل “مجرد” أناس طيبون، انسانيون.
أنهيتُ المدرسة وسافرتُ الى براد فورت، الى نُزل للفتيان اللاجئين اليهود وعملتُ في مختبر لرقابة المعادن لأغراض الحرب، الطائرات أساسا. واصلتُ الأمور التي كانت موضع اهتمامي، ككرة القدم والرقص في منتهى السبت وكنت في الأماسي أدرس بعض الأحيان. كنت نشيطا في الكنيس الإصلاحي في المدينة وعضو إدارة دائرة الشباب في الكنيس الإصلاحي في بريطانيا، ولكن علاقاتي كانت طيبة مع حاخام الكنيس الأرثوذكسي أيضا. الحياة كانت مليئة وفي الأماسي درست للقب الجامعي الأول في الكيمياء، الفيزياء والرياضيات. في نهاية الأمر انتقلت للعمل في معهد للبحوث الاجتماعية الدولية “دانلوب” في برمنجهام، وهناك الى جانب زميل في العمل، اكتشفت الحركة الصهيونية وانضممت الى الفرقة الصهيونية الفتية، والتي ترأستها بعد زمن ما. في برمنجهام أنهيت دراسة لقبي الجامعي، وهناك تعرفتُ على حزب مبام (حزب العمال) ومع رفاقي أسستُ مجموعة لمبام.
وبعد نحو سنة أدركت أني أتحدث عن الصهيونية والطليعية بحماسة دون أن أفعل شيئا وأن عليّ أن أسير في أعقاب أقوالي. سافرت الى لندن وتوجهت الى سكرتارية “الحرس الفتي” وقلت: “ها أنا، أرسلوني إلى كيبوتس فتي على الحدود”. وافقوا، فقط “طلبوا” مني أولا العمل كأمين سر الحركة (فقد جئت من مجال النشاط مع الشبيبة اليهودية) وهكذا، بعد تأهيل في البلاد، أصبحت أمين سر الحرس الفتي في بريطانيا.
مغادرتي الى إسرائيل أثارت الاهتمام في معهد البحث الذي كنتُ أعمل فيه. وأذكر الحديث الذي دار مع مدير المختبر الذي قال لي: “يا الفرد، ماذا عنك؟ أنتَ بتَ بقدم على السلم ووضعك مرتب الى هذا الحد أو ذاك من ناحية مهنية بل واقتصادية. ثقافيا واجتماعيا أنت بالتأكيد مرتب، فلماذا تترك كل هذا؟ بدأتَ بدراسة الدكتوراة، وأنت تتقدم. ادعم إسرائيل من هنا وكن صهيونيا طيبا في بريطانيا”. أجبته: “أبواي لم يعيشا في المكان الذي ولدا فيه ولم يُسمح لهما بالموت في المكان الذي عاشا فيه. أنا لم يُسمح لي بالعيش في المكان الذي ولدتُ فيه. أريد أن اضمن لأبنائي أن يتمكنوا من الاختيار. لا يكفيني الانعتاق الشخصي” (وحقا في بريطانيا لم أشعر باللاسامية رغم أني أعرف بوجودها ولكن لم يكن هذا هو الاعتبار من ناحيتي). قلت إني أرى حاجة لان يكون الشعب اليهودي سيدا على مصيره وأنا مستعد لان أقدم نصيبي. بل وقلت في حينه أيضا (أمرا صبيانيا بعض الشيء)، “لم ينقص الشعب اليهودي كيماويون ولكنهم بصراحة ينقصهم طلائع مستعدون لان يقوموا بما هو أكثر ضرورة وأنا مستعد لان أكون طليعيا، الأمر الذي هو أكثر أهمية من استكمالي دراسة الدكتورة).
وهكذا بعد قرابة ثلاث سنوات في النشاط الحركي هاجرت الى البلاد الى كيبوتس بركاي واقمتُ أسرة مع داليا زوجتي وأنجبنا طفلين، يونتان وأفنير.
يونتان سقط قبل 31 سنة. قبل سنة، في ذكرى السنة الثلاثين، أقمنا احتفالا في الكيبوتس. فوجئنا بوصول أكثر من 200 شخص بعد 30 سنة، فوجئنا بأنه بعد كل هذه السنين تحدثت شخصيته اليهم وكان لديهم أمرا هاما بما فيه الكفاية لان يأتوا. في عشية الذكرى في قاعة الطعام تحدث الرفاق عن أيام الطفولة، عبر الثانوية، الحركة وسلاح الجو وتحدثوا عن يونتان عزيزهم. أحد الرفاق تحدث عن يونتان بأنه كان “صهيونيا وفيا”. وعندما تردد أحد الرفاق فيما إذا كان سيتجند أم لا، كتب له يونتان من سلاح الجو: “مثلك أنا أيضا تواق لان أرى العالم وأتعرف على الناس وأوسع آفاقي ولكن ليس لنا اليوم بديل غير أن نقوم بما قام به أبواك وأبواي الذين نجوا من الكارثة وجاءوا هنا كي يبنوا حياتهم ويدافعوا عنا ولهذا فلستُ أرى بديلا غير السير في طريقهم. تجندت وما أكلف به أرغب في أن أفعله بكل ما أوتيت من قوة”.
تحدث أحد معلمي يونتان، عمرام، الذي روى أن خبيرا علمه كيفية التمييز بين الماس الحقيقي والماس الزائف. ترفع الماسة نحو الضوء وتدار، فإذا كانت موحدة من كل الاتجاهات فانك تعرف بأن لديك حجرا كريما حقيقيا. وبالفعل، قال، هكذا كان يونتان. قلبه، رأسه وفمه، كلها واحدة. تحدث عنه قائد مدرسة الطيران (في حينه) يعقوب تيرنر وقال أن يونتان كان بين البارزين في الدورة وقد اختير لان تجرى معه مقابلة صحفية في يوم سلاح الجو في التلفزيون بعد قائد السلاح كممثل للطيارين الشبان. يونتان كان مخزونا من القوة، الإلهام، الرؤيا والإيمان.
وكي لا أخرج هنا وكأني أظن وأصف يونتان كمثالي، فإني أقول دوما ما كنت أقوله في المدارس: “اعلموا أنه كان وقحا على الأقل مثل كل أبناء إبائكم”. أذكر ذات مساء، أنا كنت فلاحا شابا أزرع في الحقول التي كان يفترض أن تكون خضراء فقط، ولكن هنا وهناك كانت أعشاب حمراء وزرقاء وصفراء وليس هكذا ينبغي للأمر أن يكون. كان يجب عليّ أن أعرف أسماء الأزهار بالعبرية كي أختار مواد لإبادة الحشرات ولكني لم أكن أعرفها. يونتان كان في الصف الأول أو الثاني وكان يعرف كل ما ينبت أو يزحف في الحقل أو يطير في السماء. كنا نسير في الحقول وكان يعلمني. ذات يوم كنا نسير معا وسألته: “ما الذي نراه هنا؟” فيلتفت الفسفس إلي ليقول: “هذا قلته لك أمس يا أبي، أأنت لا تتعلم أبدا”.
ولكن مع كل هذه الوقاحة – أو الاستقلالية الفكرية كما يطيب لي أن ادعوها – فقد تعلم العزف على التشيلو والغيتار وكان يسافر ليوم في الأسبوع الى التخنيون للمشاركة في دورة للطلب الموهوبين لتعلم الفيزياء – نظرية الكميات والنظرية النسبية – وضمن أمور أخرى كان يقود منتخب المدرسة في نهائيات المدارس الثانوية بالكرة الطائرة وكان بشكل عام نشيطا جدا في المدرسة وفي الحركة التعليمية أيضا. يمكن رواية الكثير من القصص عن يونتان ولكني هنا سأذكر فقط ميزة بارزة واحدة. منذ صغر سنه كان حساسا ليس فقط منخرطا في الأمور بل ومسؤولا في كل جماعة انتمى إليها، بما في ذلك ليس فقط الدوائر القريبة، العائلة، المدرسة، الحركة، والتي كان يونتان واثقا بأنه لولا التزامه بها لما كانت وجدت. هذا الالتزام لديه ضم كل الشعب اليهودي وكل مواطني الدولة مثلما كُتب في وثيقة الاستقلال: دون فارق في الجنس، في العرق أو الدين. في سن مبكرة جدا، عندما ظهرت حركة “السلام الآن” تجند يونتان لهذه الفكرة وعمل في الحركة وفي الكيبوتس حتى قبل أن يتجند. فقد اعتقد أن من غير المعقول لشعبنا اليهودي، الذكي، ألا يجد السبيل للعيش مع جيرانه. كيبوتسنا كان محوطا من ثلاثة جوانب بالقرى العربية. كان لنا أصدقاء يأتون الى الكيبوتس في الأعياد وكنا نسافر إليهم لنشاركهم أفراحهم. نشاط يونتان من أجل السلام لم يأتِ من أيديولوجيا غير راسخة ما بل انطلاقا من الاعتراف والمعرفة بأنه يجب التوصل الى تسوية.
يونتان تجند بعد عام من النشاط الإضافي في الحركة التعليمية إذ أنه شعر أنه ينبغي له أن يقدم المزيد هنا أيضا، وبعدها تجند. قد أنهى بمستوى عالٍ وبتقدير كبير كل المراحل التي اجتازها في دورة الطيران. يعقوب تيرنر قال انه عندما كان يونتان ينهض للحديث في لقاءات الطاقم المسئول والمتدربين، كان هادئا إذ أن الجميع كانوا يفهمون بأن الناطق بلسان الدولة نهض للحديث بل وأضاف بأن يونتان حظي بتقدير كبير وبمحبة ليس من رفاقه فقط بل ومن الفريق المسئول أيضا.
يونتان قتل في حادث أثناء التدريب في دورة الطيران. قال لنا بعد ذلك يعقوب تيرنر إن مثل هذه الحادثة كان يمكن أن تقع حتى لطيار أكثر خبرة، ولكن، بالطبع، باحتمالية أكبر لطيران شاب. ومنذ المصيبة وأنا أجبر نفسي، في ظل جهد واعٍ، على ألا أتنازل عن النشاط، ألا أنسحب وألا أغلق على نفسي إذ أنه في واقع الأمر من الطبيعي جدا أن يستسلم المرء للأسى. كان صعبا جدا عليّ أن اخرج. لم أحلق ذقني. وحتى للثلاثين يوما لم أذهب للعمل. لم أستطع. وبعد ذلك بذلتُ جهدا، بصراحة وكأني أسمع يونتان الى جانبي يقول لي إننا ملزمون.
بعد سبع سنوات تقريبا من سقوط يونتان، قضت داليا نحبها. لا ريب عندي أن الفقدان لعب هنا دورا حاسما. افنير، الشقيق الشاب ليونتان، كان موت يونتان بالنسبة له ضربة في غاية القسوة. فقد كانا شقيقين ورفيقين في أمور عديدة. وبمعنى ما قلت لافنير إن الفقدان صعب أكثر عليه إذ مع كل قدراته الخاصة واستقلاليته فإنه هو أيضا شعر بحاجة للسير في أعقاب يونتان ليكون نشيطا معنا أيضا. هكذا في “الجدناع” الجوي (كتيبة الشبيبة)، الدراسة في التخنيون، فرقة العزف اللوائية، قيادة الحلقة في المدرسة اللوائية، السنة الثالثة عشر في الحركة وبعد ذلك القبول في سلاح الجو. في الحياة اليومية، هل أفنير وأنا عدنا الى أنفسنا – بقدر ما يمكن لهذا أن يكون ممكنا؟ عمليا لا أحد ينتعش، هذا عضو من الجسد يبتر ولن ينبت أبدا. القول إن الزمن يشفي هو قول بضمانة محدودة جدا ولكن حتى لو كان بوسعي أن أوقف الألم لما كنت أختار ذلك. هكذا يونتان معي كل الوقت.
* ابراهيم شمروني توفي سنة 2018 عن عمر 92.